ShareThis

الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

حماس و مجلس الشعب المصري

لماذا كل هذه الكراهية الدفينة و الذي ظهرت مؤخراً من النظام المصري لحركة حماس المقاومة للصهاينة في فلسطين؟!!!!

سؤال حاولت أن أجيب عنه حتى نفهم سكوت النظام المصري عن مجازر اليهود في فلسطين و أول ما خطر ببالي هو الرجوع إلى العام 2005 و خاصة في بداية العام حين جرت انتخابات اتحاد الطلبة في جامعات فلسطين و يومها اكتسحت حماس الانتخابات بنسبة عالية مما مهد الأجواء إلى فوز آخر في انتخابات البلدية التي اشتركت فيها حماس أول مرة لها في الانتخابات البلدية – لأنها كانت تعارض أي مشاركة تقوم على اتفاقيات التسوية مع الصهاينة – و كانت مفاجأة لكل المتابعين للشأن الفلسطيني الداخلي حيث ظن البعض أن من أتي على دبابات التسوية سوف يكون له المساندة الشعبية مهما تنازل عن مقدرات الفلسطينيين و الأمة الإسلامية.

هذا عن الجانب الفلسطيني أما على الجانب المصري فكانت النخبة و الشعب المصري مشغول بالتغييرات الدستورية التي أجازت انتخاب الرئيس من أكثر من مرشح و إلغاء نظام الاستفتاء في انتخاب الرئيس كما كان معمول به من قبل في دستور 1971 و تم تغيير الدستور في أيام . و كانت هذه السنة هي سنة الضغط الأمريكي الرهيب على النظام المصري حين تبنت إدارة بوش – المضروب بالأحذية – في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كما وعدت حين احتلت العراق, فأضطر النظام المصري إلى إجراء انتخابات مصرية يشوبها النزاهة حيث تمت على مراحل ثلاث و كانت المراحل الثلاث على ثلاث درجات من الحرية حيث كانت أول مرحلة نزيهة إلى ابعد حد حيث كانت المرة الأولى التي يضرب فيها جنود للشرطة في مركز انتخابي و لم ترد الجنود عليهم بالمثل على الأقل و المرحلة الثانية كانت في بدايتها شبه نزيهة ثم تحولت لعدوان من الأمن على الناخبين منعاً و ضرباً حتى يضمنوا فوز المرشحين التابعين للحزب الحاكم, و جاءت الثالثة لتعبر عن وجه النظام الحقيقي في رغبته في إعطاء المقاعد لمن يريده هو.

كل هذا بسبب دخول جماعة الإخوان المسلمين ب 145 مرشح في هذه الانتخابات و فوز ما يقرب من 40 في المرحلة الأولي ثم تحقيق 88 فوز رغم ما شهدته الانتخابات من تجاوزات مفضوحة.

كل هذا من وجهة نظر النظام بسبب حماس حيث اعتبر أن فوزها في الانتخابات البلدية و التشريعية في فلسطين كلها...ضفة و قطاع مما زاد من التفاف الشعب المصري حول الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب المصري و انتزع من زبانية النظام ال 88 مقعداً حتى انه ساند مرشحين من أحزاب المعارضة ضد مرشحين من الأخوان و لم يفلح أيضاً.

و انتظر النظام الفرصة للانتقام من الإخوان و حماس, فكان له ما أراد مع الإخوان مستغلاً ما قام به طلبة جامعة الأزهر من مظاهرات فتم تلفيق تهمة غسيل أموال لقيادات من الإخوان في محاكمات عسكرية معروفة الأحكام مقدماً.

أما حماس فكانت الفرصة سانحة حين رفضت الحركة المشاركة في الحوار الفلسطيني بسبب ضغط النظام المصري و فتح على فرض شروط قبل بداية الحوار و إعلانها الانسحاب من الحوار و من خلال تصريحات النظام و مشاوراته مع سلطة أوسلو و الكيان الصهيوني و مرر إليهم رغبته في معاقبة حماس مما برر سكوته على المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين في غزة و عدم رغبته في عقد قمة عربية – عديمة الفائدة – أو القيام بخطوة سياسية تظهر رفضه لما يقوم به الكيان من مجازر و هذا ما وضح منذ البادية من تصريحات للنظام المصري عن تحذيره لحماس و اكتمل بتصريحات رئيس النظام من عدم فتح معبر رفح إلا حين رجوع السلطة الفلسطينية إلى غزة.

الخديوي مبارك

كانت دراسة التاريخ لنا في المرحلة الاعدادية عبارة عن دراسة التاريخ القديم ( فرعوني, يوناني و روماني ) في العام الأول من المرحلة ثمدراسة التاريخ الأوسط ( الاسلامي ) في العام الثاني من المرحلة الاعدادية ثم تليها مرحلة دراسة التاريخ الحديث في العام الثالث من المرحلةو الذي يبدأ بالحملة الفرنسية على مصر.

و بعدها قيام دولة محمد على باشا و الثورة الحضارية التي قام بها و من خلفه من الحكام و الذين اختلفت اسمائهم من والي, خديوي, سلطانثم ملك. و كان من بينهم الخديوي اسماعيل و الذي على يديه بدأ التدخل الاجنبي الاستعماري في شؤون مصر الداخلية حين أراد هذا الحاكمأن يتباهى أمام العالم و خاصة دول و ملوك اوربا بافتتاح قناة السويس ذلك الممر البحري العالمي الهام و ما جره على البلاد من ديون أدتالى تدخل الدائنين في شؤون مصر الداخلية و خاصة وزارتي المالية و الاقتصاد و كانواأي الوزيرينمن الاجانب الاوربيين.

الى هنا و الحديث عن الخديوي اسماعيل و حديثاً ظهر الخديوي مبارك ليطلب هو بنفسة تدخل الاوربيين في شؤون مصر الدولية بقوله بعدمفتح معبر رفح البري للمساعدة في انقاذ الشعب المسلم في غزة من الموت جوعاً و مرضاً. أليس هذا رغبة من الحاكم نفسه في التدخل.

وللعلم فإن مصر لم تكن طرفاً في اتفاقية المعبر و التي وقعت بين سلطة أوسلو و الصهاينة و الاوربيين و امريكا.

و يا ليت الخديوي اسماعيل كان حياً لأني أظنه سينعت مبارك بالخيانة العظمي لأنه يريد أن يجعل للأجانب سلطة و ولاية على المعابرالمصرية.

أو كما يقال ..

رب يوم بكيت فيه ... فلما انقضي بكيت عليه.

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

جنود مصر و نصرة المسلمين

لعل الذي نراه في غزة من قصف و قتل و هدم للمنازل لهو مدعاة للتفكر قليلاً في التاريخ الاسلامي. لأن قراءة التاريخ هي الطريقة التي نستشرق منها خطوات المستقبل, و ما دعاني للكتابة هو ما استرعى انتباهي من حقائق التاريخ فيما يخص العلاقة بين جنود مصر- و دخولها في حلبة الصراع بين الحق و الباطل - و بين نصرة المسلمين.

و تعالوا نستعرض معاً الاحداث التي مرت بها مصر في التاريخ و التي اشتركت فيها بالجنود و الرجال بعد الفتح الاسلامي لمصر.

و أول ما يطالعنا من صفحات التاريخ الاسلامي هي معركة ذات الصواري و فيها خرج اول اسطول اسلامي من الاسكندرية المصرية و سوريا كتب الله للمسلمين النصر في هذه المعركة و كانت اول اشتراك للمصريين حديثي عهد بالاسلام في معركة جهادية ضد الروم.

ثم يعرج بنا التاريخ على حقبة الحروب الصليبية و كيف أن المصريين بقيادة صلاح الدين الأيوبي أذاقوا الصليبيين مذاق الهزيمة بعد ان أتى ملوك اوروبا راغبين في تحرير باقي الاراضي المقدسة من المسلمين – كما زعموا – و كان النصر من عند الله لما دخل الجنود المصريين في الصراع بين الحق و الباطل.

لما حاول الصليبيين محاولة غزو مصر من ناحية البحر حين حاولوا دخول مصر و احتلالها من دمياط و حينها تمت معركة المنصورة الشهيرة في التاريخ الاسلامي و التي اسر فيها ملك فرنسا لويس التاسع في المنصورة و كيف تم النصر من عند الله على ايدي المصريين.

و بعدها ببضع سنين أجري الله النصر على أيديهم في معركة عين جالوت حين أنتصر المسلمون على التتار و أبيد الجيش التتري عن بكرة أبيه في هذه المعركة و لم يستطع هولاكو أن يكمل مخططه التدميري في بقية العالم بفضل الله ثم بفضل تدخل المصريين مرة أخري في صف الحق ضد الباطل.

ثم نقلب صفحات التاريخ الاسلامي فنجد عودة المصريين الى حرب الصليبيين الموجودين في الامارات الصليبية في الشام و فلسطين و كيف أخرجهم المصريين من آخر معاقلهم في عكا في أثناء حكم المماليك, و ما فعله المماليك من مواجهة موجة الغزو الصليبي عي يد الاسبان حين ارادوا استعمار الدول الاسلامية و محاربة اقتصادها بتحكمها في طرق التجارة العالمية و ما كان اكتشاف طرق رأس الرجاء الصالح الا لرغبة الاوربيين في ايجاد طرق اخرى لا يتحكم فيها المسلمين غير البحر المتوسط و طريق التجارة القديم بين أسيا و أوربا عبر الاناضول و الشام و وسط أسيا المسلمين.

و حين حكم المسلمين الاتراك أثناء عهد الخلافة العثمانية و كيف بدا يدب الضعف فيها – وليس هذا هو السبب الوحيد - لما حاولت فقط الاعتماد على العنصر التركي كجنود و قواد اساسيين للجيوش الاسلامية في مواجهة اوربا و ما فعله هؤلاء الجنود من اضعاف للدولة – بعد أن كانوا سبب قوتها – بسبب عدم طاعتهم للقواد. و لما جاء محمد على حاكماً على مصر و ما قام به من اخضاع ثورة اليونانيين بعد أن عجزت الجيوش العثمانية عن اخمادها. و لما رأت اوربا ذلك كيف دمرت السطول المصري و التركي في معركة نوارين البحرية.

و ابتعد المصريين عن الحلبة فاحتلت الدول الاسلامية و منها مصر و ما كانت لتحتل لولا سوء الحكم فيها و مرة اخري لما دخل الجنود المصريون حلبة الصراع وجدناه مقلوباً في العاشر من رمضان و لولا رعونة النظام المصري و عدم استغلاله لما كنا نرى ما يحدث الآن في غزة.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

ان خير من استأجرت ... القوي الأمين

جائت هذه الآيه في حديت بنت شعيب الى ابيها عن نبي الله موسى بعد أن سقى لهم دوابهم بعدما كانوا لا يستطيعون ذلك و اردت هذه البنت الفطنة الذكية أن يكون هذا الرجل أجيراً يستعمله أبوها في بعض أعماله. و لتبين أي الأوجه التي يستطيع والدها أن يختار على اساها من يستعمله أختارت صفتين فقط هما القوة و الأمانة.

و لنحلل معاً السببين الذين دعوا البنت للطلب من أبيها استعمال سيدنا موسى, و هما القدرة و الأمانة.

القدرة تعني مقدرة الشخص على القيام بالعمل المناط به تنفيذه, مثل المدرس و قدرته على التدريس للطلبة و كم المادة العلمية عنده التي يستطيع اعطائها للطلبة و غيره من الامكانيات المفروض تواجدها في المدرس.

و الأمانة تعني مراقبة العامل ربه في عمله و لنستمر في مثال المدرس فلنفترض أن مدرساً حاز من القدرات الكثير و لكنه في غيبة من ضميره في عمله, فلا أظنه سيعطي الطالب ما ينفعه من علم و خبرة و تربية بل سيبخل عليهم في كل شيء.

هذا مثال صغير لطريقة اختيار العمال – و اقصد بها من الغفير للوزير - فعندما يريد الرئيس – اي كانت درجته – ان يستعمل احداً عنده فهذين السببين هما أفضل المقاييس للإختيار و هما القدرة و الأمانة .

لا أن نجد لواءاً في الجيش يدير مصنعاً للحديد و ليس عنه خبرة بالحديد الا انها تصنع منه المعدات الحربية فقط, و ليس عنده علم بالادارة أو طرق الصناعة او غيرها ممن يعلمه المتخصصين في انتاج المعادن الثقيلة. فتجده يتخبط في الادارة و يضطر الى الاعتماد على أهل الثقة داخل المصنع أو الشركة و ليس على أهل الخبرة مما يؤدي الى وضع أشخاص غير مؤهلين – من أهل الثقة – مكان أشخاص مؤهلين – من أهل الخبرة. و تجد الشللية و التحزب و المكائد و تصيد الاخطاء بدلاً من حلها و تنهار الادارة و يخسر المصنع و يتم بيعه في عملية خصخصة لأنه يخسر ولا يربح. و السبب هي في الادارة و ليس في المصنع, فلو أعطي المصنع من البداية الى أحد المتخصصين في هذا المجال من البداية ستجده يتطور ولا يخسر و ستجده يفتح افرعاً جديدة ليستوعب العماله الزيادة المدربة عنده.

هكذا اظنها تدار الحكومات التي تقوم على المؤسسات. و قد قرأت أن أحد الدول كان لها جاسوس عند دولة اخرى مهمته تتلخلص في أنه اذا عرض عليه عدة اشخاص لمنصب أو وظيفة ما أن يختار أسوأهم لشغل المنصب و هذا كان في نظرهم كاف للفت في عضد هذه الدولة.

فأنت عندما تجد الشخص الغير مناسب فتوقع الكوارث و المصائب و الحرائق و غيره من التبعات التي تتبع وضع الشخص الغير مناسب في المكان المناسب.

و هذا ما دعى النبي – صلى الله عليه و سلم – الى اخبارنا أن من علامات الساعة أن يوسد الأمر الى غير اهله.

فيا ليت قومي يتعلمون من القرآن ما ينفع دينهم و دنياهم كما قال – صلى الله عليه و سلم – من أراد الدنيا فعليه بالقرآن و من أراد الأخرة فعليه بالقرآن و من أرادهما معاً فعليه بالقرآن أو كما قال.

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

تنحي القذافي الابن.. ضربة موجعة للتوريث!

محمد جمال عرفة

القذافي الابن معلنا انسحابه من الحياة السياسية في ضربة موجعة لملف توريث الحكم في العالم العربي الذي راج بصورة كبيرة خلال الأعوام الخمس الماضية حتى بات كأنه قدر سلطوي محكوم على شعوب المنطقة، أعلن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، يوم 20 أغسطس الجاري انسحابه من الحياة السياسية، وانتقد الأنظمة الوراثية، ودعا إلى إنشاء مجتمع مدني قوي في ليبيا.

وقال القذافي الابن الذي كان مرشحا بقوة لخلافة والده -برغم أنه لا يتولى أي منصب رسمي- أمام آلاف الشبان المؤيدين له في مدينة سبها (جنوب طرابلس): قررت عدم التدخل في شئون الدولة، مرجعا أسباب تدخله في أوقات سابقة بالقول: إنه في غياب مؤسسات وإطار إداري كنت أضطر إلى التدخل، وأضاف سيف الإسلام أو المهندس كما يطلق عليه في ليبيا أنه لم تعد لي معارك كبيرة لأخوضها.. وفي حال استمر هذا الأمر فسوف تكون هناك مشاكل.

وفي مقابلة مع صحيفة كومرسنت الروسية نشرتها الصحافة الليبية، أعلن سيف الإسلام القذافي أنه سيتفرغ من الآن وصاعدا لتنمية المجتمع المدني والنشاطات الاقتصادية في ليبيا، وكذلك للأعمال الخيرية، واقترح بهذا الصدد أن يضع الليبيون -استنادا إلى شرعية سلطتهم الشعبية- عقدا جماعيا بينهم هو العقد الجماهيري وبناء رأسماليا اجتماعيا، وقضاء نزيها، وصحافة مستقلة بملكيتها للشعب الليبي وليست صحافة المرتزقة والفوضى.

واعترف سيف الإسلام الذي أذيعت كلمته حية على الهواء مباشرة في التلفزيون الليبي الحكومي أن البلاد تحتاج إلى إصلاحات لنظام الجماهيرية الذي سنه والده ليصبح نظاما مختلفا عن النظام الحالي، مؤكدا أن الليبيين يحتاجون إلى نظام إداري جديد وقانون ودستور دائم لا يتغير.

إسرائيل أكثر ديمقراطية!

وفي إشارة واضحة لتخليه عن أفكار التوريث فعليا ونفيها، قال سيف الإسلام: نحن نعيش في غابة هنا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. منطقتنا العربية كلها تحكمها غابات الديكتاتورية؛ حيث البرلمانات والدساتير خيالية، وأنظمة وراثية تتعدى على حقوق الإنسان، وقال: كل المنطقة العربية اتفقوا أن هذا النظام سواء كان ملكيا أو جمهوريا أو سلطانيا لابد فيه من وراثة.. الولد يأتي بعد أبيه!.

وقارن سيف الإسلام الأنظمة السياسية العربية مع إسرائيل قائلا: فيما تتم محاكمة رئيس وزراء إسرائيل على أخذه تذكرتي سفر من رجل أعمال، وإرغام الرئيس الإسرائيلي على الاستقالة لتحرشه بموظفة بمكتبه، فإن العرب دائما مهزومون، والمواطن والجندي العربي مهزوم ومهان، وبالتالي انتصرت إسرائيل على أمة كاملة.

ومع أن مراقبين للشأن الليبي يرون أن هذا انسحاب مؤقت للقذافي الابن، وتمهيد لدخول مرحلة جديدة لإعادة صياغة وجوده على المسرح السياسي الليبي، وإضفاء مزيد من الشرعية على تواجده عبر مؤسسات المجتمع المدني مثلا، يرى خبراء سياسيون أن توقيت خطوة سيف الإسلام جاء في وقت قاتل تتصاعد فيه نغمة توريث الحكم في عدة دول عربية جمهورية، خصوصا مصر واليمن بعد أن سبق التنفيذ فعليا في سوريا.

ومع أن نخبا ثقافية وسياسية عربية ترى أن حالة (التوريث السياسي) للحكم ما هي سوى تتويج لمبدأ (التوريث الوظيفي) الشائع في العالم العربي على مستوى القاعدة الشعبية من حيث توريث الوظائف والمناصب المختلفة، فالكثير من النظم العربية سمحت بهذا التوريث الشعبي وتغاضت عنه من أعلى المناصب إلى أدناها؛ حيث ينتشر (التوريث الشعبي) في العديد من المناصب أبرزها السلك الدبلوماسي، وأجهزة الإعلام، والمهن الطبية، والجامعات، والشركات، والهيئات الرسمية، وحتى في المهن التي تحتاج إلى مواهب وإبداعات خاصة مثل التمثيل والغناء والرياضة، ما نقل العدوى لمؤسسات الحكم.

الجوكر القادم

وسيف الإسلام القذافي، رجل نافذ في ليبيا، وصاحب مشاريع إصلاحية، ولعب أدوارا هامة في العلاقة بين بلاده والغرب، ونجح في نزع فتيل العديد من الأزمات وإصلاح العلاقات بين بلاده والغرب في وقت كانت على شفا حفرة من الحرب؛ ما أظهره باستمرار على أنه خليفة لوالده، ولو أنه ينفي ذلك في العلن.

ولا يشغل سيف الإسلام (36 عاما) أي منصب رسمي، لكنه برز خلال السنوات الأخيرة على أنه موفد النظام الليبي الأكثر مصداقية، ومهندس الإصلاحات، والحريص على تطبيع العلاقات بين ليبيا والغرب، وسبق له أن عرض في 20 أغسطس 2007 مشروعه لتحديث البلاد، فثارت تكهنات حول مسألة الخلافة في زعامة ليبيا، مع أنه أكد أن ليبيا لن تتحول إلى ملكية أو دكتاتورية، والمفارقة أنه بعد عام تقريبا من إعلان هذا المشروع أعلن انسحابه من الحياة السياسية، مؤكدا أنه وضع القطار على السكة الصحيحة، وداعيا إلى بناء مجتمع مدني قوي يواجه أي تجاوزات على مستوى قمة السلطة.

وقد برز دوره خصوصًا في الوساطة التي قام بها في قضية الفريق الطبي البلغاري الذي أفرج عن أفراده (خمس ممرضات وطبيب) في يوليو 2007 بعد أن أمضوا ثمان سنوات في ليبيا، وهو الذي فاوض كذلك في اتفاقات دفع تعويضات لعائلات ضحايا طائرة لوكيربي التي تحطمت في 1988 فوق أسكتلندا واتهمت ليبيا بالتخطيط للعملية، وقضية دفع تعويضات لضحايا الاعتداء على طائرة أوتا، دي سي-10 التي تحطمت فوق النيجر في 1989؛ حيث اشتهر بأنه يتحدث بهدوء واعتدال، بل وتقدمه وسائل الإعلام على أنه الوجه الجديد المحترم لنظام اتهم طويلا بدعم الإرهاب.

ويقدم سيف الإسلام نفسه قبل كل شيء بأنه سفير للشأن الإنساني في ليبيا وفي كل أنحاء العالم عبر جمعيته مؤسسة القذافي الخيرية التي أنشأها عام 1997، وتدخل مرارا في مفاوضات دولية عبر هذه المؤسسة من أجل قضايا تنموية وغيرها.

وقد ولد في 25 يونيو 1972 في طرابلس، وهو النجل الأكبر من زوجة القذافي الثانية، والولد الثاني بين أولاده الثمانية، وحصل على إجازة في الهندسة المعمارية من جامعة الفاتح في طرابلس، وكلفه والده حينها بوضع مخطط لمجمع عقاري كبير مع فنادق ومسجد ومساكن.

وبعد خمس سنوات، تابع سيف الإسلام دراسته، فاختار إدارة الأعمال في فيينا (النمسا) حيث حصل على شهادة من معهد إنترناشيونال بيزنس سكول، وفي لندن أنهى دراسته الجامعية بدكتوراه من معهد لندن سكول أوف إيكونوميكس.

وقد انطلق في عالم الأعمال وظهر على الساحة الدولية في عام 2000، عندما فاوضت مؤسسته من أجل الإفراج عن رهائن أجانب محتجزين لدى مجموعة من المتطرفين الإسلاميين في الفلبين.

ومنذ عام يقوم سيف الإسلام القذافي بحملة من أجل فتح بلاده أمام وسائل الإعلام الخاصة، وقد نجح في أغسطس الماضي في إطلاق أول محطة تلفزة خاصة وأول صحيفتين خاصتين في البلاد.

ولا شك أن كل هذه المؤهلات والدور المتعاظم له في ليبيا يؤهله لخلافه والده، بالرغم من إعلان انسحابه -المؤقت غالبا- من الساحة السياسية، والأهم أن هذه الخطوة ربما تأتي ضمن خطوات بدأت أنظمة -يشار لها بالبنان على أنها أبرز الدول المرشحة لتوريث الحكم من الزعماء لأبنائهم- تتجه إليها لإعادة إخراج صورة الزعيم الابن بشكل أكثر ديمقراطية أو أكثر مصداقية بدلا من الفرض غير القانوني أو الدستوري لهم.

هذا التوجه ظهر مثلا في مصر بصورة أو بأخرى عبر نفي رسمي لنوايا توريث نجل الرئيس جمال مبارك، ثم جرى تعديل الدستور وبعض القوانين بما يسمح له عمليا -لو كانت هناك نية- لدخول حلبة الترشيح والفوز بسهولة؛ لأن الطريق أصبح معبدا أمامه قانونيا ودستوريا.

وهو نفس ما تكرر في اليمن عبر تغييرات قانونية تمهد الطريق للابن -قانونيا- للترشح وضمان الفوز بدون أن يقال إن هذا توريث غير قانوني وإنما ترشيح في انتخابات تعددية -مفصلة بشكل أكبر لأجل الزعيم الابن- وفوز شرعي.

ولوحظ في هذا الصدد أن الرئيس علي عبد الله صالح تعهد في آخر انتخابات رئاسية بإجراء إصلاحات دستورية تسمح بتحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات، وضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة، وعندما سئل عن الإعداد لتوريث الحكم لابنه أحمد، نفى هذه الخطوة بشدة قائلا: إنه لا يريد لابنه أن يكون رئيسا، لكنه قال أيضا: من حق ابنه كمواطن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، مشيرا إلى رئاسة بوش الابن للولايات المتحدة

إعلان القذافي الابن تنحيه عن العمل السياسي يبدو بالتالي كقذيفة من العيار الثقيل في حصن التوريث في العالم العربي ما لم تكن وراءها أهداف أخرى مثل الانسحاب لحين تجهيز المسرح للدخول بطريقة أكثر ديمقراطية وأكثر قبولا من النواحي القانونية والدستورية.

ولكن هذه القذيفة التي وجهها القذافي الابن للتوريث السياسي قد يكون لها مستقبلا آثارها الهامة في إجهاض هذه الخطط المرفوضة شعبيا، وإن بدت كقدر محتوم في ظل التدهور السياسي في العديد من بلدان العالم العربي، وغياب الحريات، وتداول السلطة، وتواري أي تحركات شعبية ولو سلمية.


المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت