ShareThis

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

تنحي القذافي الابن.. ضربة موجعة للتوريث!

محمد جمال عرفة

القذافي الابن معلنا انسحابه من الحياة السياسية في ضربة موجعة لملف توريث الحكم في العالم العربي الذي راج بصورة كبيرة خلال الأعوام الخمس الماضية حتى بات كأنه قدر سلطوي محكوم على شعوب المنطقة، أعلن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، يوم 20 أغسطس الجاري انسحابه من الحياة السياسية، وانتقد الأنظمة الوراثية، ودعا إلى إنشاء مجتمع مدني قوي في ليبيا.

وقال القذافي الابن الذي كان مرشحا بقوة لخلافة والده -برغم أنه لا يتولى أي منصب رسمي- أمام آلاف الشبان المؤيدين له في مدينة سبها (جنوب طرابلس): قررت عدم التدخل في شئون الدولة، مرجعا أسباب تدخله في أوقات سابقة بالقول: إنه في غياب مؤسسات وإطار إداري كنت أضطر إلى التدخل، وأضاف سيف الإسلام أو المهندس كما يطلق عليه في ليبيا أنه لم تعد لي معارك كبيرة لأخوضها.. وفي حال استمر هذا الأمر فسوف تكون هناك مشاكل.

وفي مقابلة مع صحيفة كومرسنت الروسية نشرتها الصحافة الليبية، أعلن سيف الإسلام القذافي أنه سيتفرغ من الآن وصاعدا لتنمية المجتمع المدني والنشاطات الاقتصادية في ليبيا، وكذلك للأعمال الخيرية، واقترح بهذا الصدد أن يضع الليبيون -استنادا إلى شرعية سلطتهم الشعبية- عقدا جماعيا بينهم هو العقد الجماهيري وبناء رأسماليا اجتماعيا، وقضاء نزيها، وصحافة مستقلة بملكيتها للشعب الليبي وليست صحافة المرتزقة والفوضى.

واعترف سيف الإسلام الذي أذيعت كلمته حية على الهواء مباشرة في التلفزيون الليبي الحكومي أن البلاد تحتاج إلى إصلاحات لنظام الجماهيرية الذي سنه والده ليصبح نظاما مختلفا عن النظام الحالي، مؤكدا أن الليبيين يحتاجون إلى نظام إداري جديد وقانون ودستور دائم لا يتغير.

إسرائيل أكثر ديمقراطية!

وفي إشارة واضحة لتخليه عن أفكار التوريث فعليا ونفيها، قال سيف الإسلام: نحن نعيش في غابة هنا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. منطقتنا العربية كلها تحكمها غابات الديكتاتورية؛ حيث البرلمانات والدساتير خيالية، وأنظمة وراثية تتعدى على حقوق الإنسان، وقال: كل المنطقة العربية اتفقوا أن هذا النظام سواء كان ملكيا أو جمهوريا أو سلطانيا لابد فيه من وراثة.. الولد يأتي بعد أبيه!.

وقارن سيف الإسلام الأنظمة السياسية العربية مع إسرائيل قائلا: فيما تتم محاكمة رئيس وزراء إسرائيل على أخذه تذكرتي سفر من رجل أعمال، وإرغام الرئيس الإسرائيلي على الاستقالة لتحرشه بموظفة بمكتبه، فإن العرب دائما مهزومون، والمواطن والجندي العربي مهزوم ومهان، وبالتالي انتصرت إسرائيل على أمة كاملة.

ومع أن مراقبين للشأن الليبي يرون أن هذا انسحاب مؤقت للقذافي الابن، وتمهيد لدخول مرحلة جديدة لإعادة صياغة وجوده على المسرح السياسي الليبي، وإضفاء مزيد من الشرعية على تواجده عبر مؤسسات المجتمع المدني مثلا، يرى خبراء سياسيون أن توقيت خطوة سيف الإسلام جاء في وقت قاتل تتصاعد فيه نغمة توريث الحكم في عدة دول عربية جمهورية، خصوصا مصر واليمن بعد أن سبق التنفيذ فعليا في سوريا.

ومع أن نخبا ثقافية وسياسية عربية ترى أن حالة (التوريث السياسي) للحكم ما هي سوى تتويج لمبدأ (التوريث الوظيفي) الشائع في العالم العربي على مستوى القاعدة الشعبية من حيث توريث الوظائف والمناصب المختلفة، فالكثير من النظم العربية سمحت بهذا التوريث الشعبي وتغاضت عنه من أعلى المناصب إلى أدناها؛ حيث ينتشر (التوريث الشعبي) في العديد من المناصب أبرزها السلك الدبلوماسي، وأجهزة الإعلام، والمهن الطبية، والجامعات، والشركات، والهيئات الرسمية، وحتى في المهن التي تحتاج إلى مواهب وإبداعات خاصة مثل التمثيل والغناء والرياضة، ما نقل العدوى لمؤسسات الحكم.

الجوكر القادم

وسيف الإسلام القذافي، رجل نافذ في ليبيا، وصاحب مشاريع إصلاحية، ولعب أدوارا هامة في العلاقة بين بلاده والغرب، ونجح في نزع فتيل العديد من الأزمات وإصلاح العلاقات بين بلاده والغرب في وقت كانت على شفا حفرة من الحرب؛ ما أظهره باستمرار على أنه خليفة لوالده، ولو أنه ينفي ذلك في العلن.

ولا يشغل سيف الإسلام (36 عاما) أي منصب رسمي، لكنه برز خلال السنوات الأخيرة على أنه موفد النظام الليبي الأكثر مصداقية، ومهندس الإصلاحات، والحريص على تطبيع العلاقات بين ليبيا والغرب، وسبق له أن عرض في 20 أغسطس 2007 مشروعه لتحديث البلاد، فثارت تكهنات حول مسألة الخلافة في زعامة ليبيا، مع أنه أكد أن ليبيا لن تتحول إلى ملكية أو دكتاتورية، والمفارقة أنه بعد عام تقريبا من إعلان هذا المشروع أعلن انسحابه من الحياة السياسية، مؤكدا أنه وضع القطار على السكة الصحيحة، وداعيا إلى بناء مجتمع مدني قوي يواجه أي تجاوزات على مستوى قمة السلطة.

وقد برز دوره خصوصًا في الوساطة التي قام بها في قضية الفريق الطبي البلغاري الذي أفرج عن أفراده (خمس ممرضات وطبيب) في يوليو 2007 بعد أن أمضوا ثمان سنوات في ليبيا، وهو الذي فاوض كذلك في اتفاقات دفع تعويضات لعائلات ضحايا طائرة لوكيربي التي تحطمت في 1988 فوق أسكتلندا واتهمت ليبيا بالتخطيط للعملية، وقضية دفع تعويضات لضحايا الاعتداء على طائرة أوتا، دي سي-10 التي تحطمت فوق النيجر في 1989؛ حيث اشتهر بأنه يتحدث بهدوء واعتدال، بل وتقدمه وسائل الإعلام على أنه الوجه الجديد المحترم لنظام اتهم طويلا بدعم الإرهاب.

ويقدم سيف الإسلام نفسه قبل كل شيء بأنه سفير للشأن الإنساني في ليبيا وفي كل أنحاء العالم عبر جمعيته مؤسسة القذافي الخيرية التي أنشأها عام 1997، وتدخل مرارا في مفاوضات دولية عبر هذه المؤسسة من أجل قضايا تنموية وغيرها.

وقد ولد في 25 يونيو 1972 في طرابلس، وهو النجل الأكبر من زوجة القذافي الثانية، والولد الثاني بين أولاده الثمانية، وحصل على إجازة في الهندسة المعمارية من جامعة الفاتح في طرابلس، وكلفه والده حينها بوضع مخطط لمجمع عقاري كبير مع فنادق ومسجد ومساكن.

وبعد خمس سنوات، تابع سيف الإسلام دراسته، فاختار إدارة الأعمال في فيينا (النمسا) حيث حصل على شهادة من معهد إنترناشيونال بيزنس سكول، وفي لندن أنهى دراسته الجامعية بدكتوراه من معهد لندن سكول أوف إيكونوميكس.

وقد انطلق في عالم الأعمال وظهر على الساحة الدولية في عام 2000، عندما فاوضت مؤسسته من أجل الإفراج عن رهائن أجانب محتجزين لدى مجموعة من المتطرفين الإسلاميين في الفلبين.

ومنذ عام يقوم سيف الإسلام القذافي بحملة من أجل فتح بلاده أمام وسائل الإعلام الخاصة، وقد نجح في أغسطس الماضي في إطلاق أول محطة تلفزة خاصة وأول صحيفتين خاصتين في البلاد.

ولا شك أن كل هذه المؤهلات والدور المتعاظم له في ليبيا يؤهله لخلافه والده، بالرغم من إعلان انسحابه -المؤقت غالبا- من الساحة السياسية، والأهم أن هذه الخطوة ربما تأتي ضمن خطوات بدأت أنظمة -يشار لها بالبنان على أنها أبرز الدول المرشحة لتوريث الحكم من الزعماء لأبنائهم- تتجه إليها لإعادة إخراج صورة الزعيم الابن بشكل أكثر ديمقراطية أو أكثر مصداقية بدلا من الفرض غير القانوني أو الدستوري لهم.

هذا التوجه ظهر مثلا في مصر بصورة أو بأخرى عبر نفي رسمي لنوايا توريث نجل الرئيس جمال مبارك، ثم جرى تعديل الدستور وبعض القوانين بما يسمح له عمليا -لو كانت هناك نية- لدخول حلبة الترشيح والفوز بسهولة؛ لأن الطريق أصبح معبدا أمامه قانونيا ودستوريا.

وهو نفس ما تكرر في اليمن عبر تغييرات قانونية تمهد الطريق للابن -قانونيا- للترشح وضمان الفوز بدون أن يقال إن هذا توريث غير قانوني وإنما ترشيح في انتخابات تعددية -مفصلة بشكل أكبر لأجل الزعيم الابن- وفوز شرعي.

ولوحظ في هذا الصدد أن الرئيس علي عبد الله صالح تعهد في آخر انتخابات رئاسية بإجراء إصلاحات دستورية تسمح بتحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات، وضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة، وعندما سئل عن الإعداد لتوريث الحكم لابنه أحمد، نفى هذه الخطوة بشدة قائلا: إنه لا يريد لابنه أن يكون رئيسا، لكنه قال أيضا: من حق ابنه كمواطن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، مشيرا إلى رئاسة بوش الابن للولايات المتحدة

إعلان القذافي الابن تنحيه عن العمل السياسي يبدو بالتالي كقذيفة من العيار الثقيل في حصن التوريث في العالم العربي ما لم تكن وراءها أهداف أخرى مثل الانسحاب لحين تجهيز المسرح للدخول بطريقة أكثر ديمقراطية وأكثر قبولا من النواحي القانونية والدستورية.

ولكن هذه القذيفة التي وجهها القذافي الابن للتوريث السياسي قد يكون لها مستقبلا آثارها الهامة في إجهاض هذه الخطط المرفوضة شعبيا، وإن بدت كقدر محتوم في ظل التدهور السياسي في العديد من بلدان العالم العربي، وغياب الحريات، وتداول السلطة، وتواري أي تحركات شعبية ولو سلمية.


المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت